قصي عاصي
يشعر العديد من الشباب بالإحباط عند خصم مبلغ من راتبهم الشهري لصالح صندوق التقاعد، وكأن لسان حالهم يقول ”انا احتاج المال الان. عند التقاعد يحلها 1000 حلال”. كما وان البعض يسارعون وبدون تردد في ”كسر” صناديق التقاعد لسحب الأموال التي تم توفيرها لصالح التقاعد الخاص بهم عند الاحتياج للمال. هل هذا تصرف سليم؟ للإجابة على هذا التساؤل علينا أن نفهم ما هو حساب الادخار للتقاعد وما الفائدة منه.
في هذا المقال سنقوم بالتطرق للادخار التقاعدي الخاص بالأجيرين فقط ولا نتطرق للأجيرين تحت غطاء اتفاقية مفضلة.
في البلاد هناك نوعان أساسيان من المعاشات التقاعدية للأجيرين (للتوضيح، لا نتحدث عن معاش الشيخوخة الذي يدفعه التامين الوطني لكبار السن)
- معاشات التقاعد المدفوعة من الميزانية المتداولة للمنشأة التي عمل فيها المتقاعد (פנסיה תקציבית): هذا النوع من المعاشات التقاعدية كان متوفر بشكل عام لموظفي الحكومة وبعض المؤسسات العامة وتم التوقف عن العمل به منذ سنة 2001. برنامج التقاعد هذا يشمل فقط الموظفين الذين كانوا يعملون قبل سنة 2001 في الحكومة أو في المؤسسات العامة الي تمنح غطاء تقاعدي من هذا النوع. بحسب هذا الغطاء يلزم المشغل بدفع المعاش التقاعدي للموظفين المتقاعدين.
- الادخار التقاعدي التراكمي (פנסיה צוברת): هذا النوع السائد في يومنا هذا. وبحسب هذا الغطاء يتم ادخار أموال في حساب ادخار طويل الامد في شركة تأمين أو صندوق ادخار، خلال سنوات العمل، لفترة التقاعد. عند الوصول الى جيل التقاعد يوفر حساب التقاعد دخلا شهريا مدى الحياة، من تاريخ التقاعد. قيمة المبلغ الشهري متعلقة بقيمة الأموال المتراكمة في حساب التقاعد. الأموال المتراكمة في حساب التقاعد تشمل الأموال المدخرة بالإضافة الى الارباح التي قام صندوق التقاعد بتحصيلها نتيجة استثماره للأموال المتراكمة في الحساب.
من الجدير بالذكر بان حسابات التقاعد هذه توفر ايضا تغطية تأمينية، فهي توفر أيضا دخلا شهريا عند حدوث ظرف تقاعدي يمنع الموظف عن الاستمرار في العمل (كالإعاقة مثلا).
منذ سنة 2008 تم فرض تأمين تقاعدي إلزامي لكل العمال فوق سن 21 للرجال وسن 20 للنساء، بحسب برامج التقاعد التراكمي المذكور انفا. أي أنه على كل مشغل أن يودع مبلغ شهري في حساب تقاعد لصالح كل من عماله، يدار في شركة تأمين أو في صندوق ادخار. ابتداء من 2017، في كل شهر يودع المشغل مبلغ يساوي 12.5% من قيمة راتب العامل، في ادخار تقاعدي لصالح العامل. 6% تخصم من راتب العامل والباقي على حساب المشغل. بالإضافة الى ذلك، يودع المشغل مبلغ قيمته 6% من قيمة راتب العامل، في حساب تعويضات لصالح العامل. بكلمات أخرى، في كل شهر يقوم المشغل بخصم 6% من راتب العامل وادخارها لصالح العامل بينما يقوم المشغل بادخار أكثر من ضعف المبلغ المخصوم (12.5%)، على حسابه، لصالح ذاك العامل.
الجانب الضريبي:
ترى الدولة بأن للادخار التقاعدي قيمة عليا، فهو يوفر لكبار السن دخل شهري بواسطته يمكنهم العيش بحياة كريمة ولا يكونوا عبء على اقربائهم او على مؤسسات الدولة. لهذا فإننا نرى الدولة تحاول تحفيز المواطنين بسياسة ”العصا والجزرة” للادخار التقاعدي سوآءا كانوا عمالا أو مشغلين. من هذه التحفيزات نذكر:
- إجبار المشغلين على ادخار مبالغ شهرية كما ذكرنا انفا والمخالفين يدفعون غرامات.
- إذا أراد أحد العمال سحب أموال التقاعد قبل سن التقاعد يتوجب عليه دفع ضريبة 35%، حتى لا يقوم الاجير باستخدام هذه الاموال في غير ما ادخرت له.
- يُمنح الأجير الذي تم خصم مبلغ من مرتبه للادخار التقاعدي خصم ضريبي بقمة ٣٥% من المبلغ المخصوم، أي أنه سيدفع ضريبة أقل.
- الادخار التقاعدي على حساب المشغل لصالح العامل لا يعد دخل عند العامل ولا تفرض عليه ضريبة.
- لا تفرض ضريبة على الأرباح المتراكمة في حساب الادخار.
- عند الوصول إلى سن التقاعد يحصل المتقاعد على إعفاء ضريبي على المعاش التقاعدي قد يصل إلى 4,399 ش (في سنة 2021، بعد سنة 2025 متوقع ارتفاع ملحوظ لقيمة المبلغ المعفى)
- الدولة كذلك تحفز الاجيرين لإبقاء أموال التعويضات في الادخار وعدم سحبها عند ترك مكان العمل. سحب اموال التعويضات قد يؤدي إلى تقليل الإعفاء الضريبي المذكور في النقطة السابقة.
وفي النهاية انصح كل اجير يفكر في ”كسر” صندوق الادخار او حتى صندوق التعويضات ان يعيد النظر مليا قبل الإقبال على هذه الخطوة. أولا، في سن التقاعد ستتقلص أمامنا فرص العمل فلا شك أن سوق العمل يفضل الشباب، على الرغم من أن هذا التفضيل يكون بلا مصداقية في الكثير من الأحيان. من الذكاء ان لا نترك المستقبل للمستقبل، دون تحضير، فلا ندري ربما نصل الى سن التقاعد بلا عمل ولا ادخار يوفر لنا حياة كريمة. ثانيا، ”الغرامة” الضريبية المفروضة على سحب هذه الأموال هي تكلفة باهظة جدا.
كما وعلينا ان نفهم أن هذه الأموال المتراكمة في حسابات الادخار طويلة الأمد (الادخار التقاعدي او التعويضات) هي اموالنا وعلينا إدارتها بشكل سليم وتفقدها من حين لآخر. فمثلا، علينا قراءة التقارير الواردة من صناديق الادخار بتمعن وتفقد إن كانت العمولات التي تأخذها هذه الصناديق هي عمولات باهظة او كما هو متبع في السوق ومقارنة أرباح الصندوق الخاص بنا بأرباح الصناديق الاخرى وربما الانتقال لصندوق اخر ذو ربحية أعلى وعمولات اقل.
كاتب: قصي عاصي
محاضر في كلية ادارة الاعمال في الكلية الاكاديمية اونو ويشغل منصب مدير قسم الضرائب الدولية وقوانين الضراب الخاصة في وزارة المالية
مجلة التربية المالية – من الكلية الأكاديمية أونو
باشراف د. شربل شقير | نائب رئيس الكلية الأكاديمية أونو، ومحاضر كبير في مجال التمويل وسوق المال والتربية المالية